يعطيك من طرف اللسان حلاوة!!!

تـاريخ التسـجـيل : 10/10/2009

قال تعالى في كتابه العزيز : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } (البقرة: 204 ـ 206).. نزلت هذه الآيات في الأخنس بن شريق أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأظهر الإسلام وحلف أنه يحبه.. وكان منافقاً حسن العلانية خبيث الباطن.. ثم خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرَّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وقتل الحمر فأنزل الله تعالى فيه هذه الآيات وهي وإن كانت خاصة بالأخنس لكنها عامة في كل منافق يقول بلسانه ما ليس في قلبه.. ويظهر عكس ما يبطن.. وكأن لسان حالهم يقول:

عش بالخداع فأنت في ***** دهر بنوه كأسد بيشه
وأدر قناة المكر حتى ***** تستدير رحى المعيشه

هذه الفئة المنتنة العفنة توجد في كل بيئة وكل مجتمع وكل أمة وفي كل عصر.. وبرغم أن هذه الفئة قد يروق لك كلامها.. وتثير الإعجاب بخلابة لسانها وقوة بيانها عند مخالطتها ومصاحبتها في الحياة الدنيا.. أما الآخرة فالحاكم فيها علام الغيوب الذي يطلع على القلوب والسرائر.. فهم في قرارة أنفسهم منافقين كذبه يظهرون الود والمحبة والإخلاص ولكنهم في حقيقة أمرهم شديدي الخصومة والكراهية والبغض والحقد يتظاهرون بالدين والصلاح والتقى بكلامهم المعسول وأسلوبهم المنمق.. أما إذا انصرفوا عنك واختلوا بأنفسهم أو كانوا مع خلانهم وشاكلتهم أظهروا حقيقة أمرهم وكشفوا قناعهم الزائف الذي أظهر خبث طوية أنفسهم.. وعاثوا في الأرض فساداً ودماراً بزرع الأحقاد والضغائن بين الناس عن طريق الغيبة والنميمة والكذب ونشر الأقاويل الكاذبة والقصص الملفقة المختلقة لإيهام الناس بصدق كلامهم وإذا وعظوا ونصحوا وذكّروا وقيل لهم انزعوا عن قولكم وفعلكم القبيح.. حملتهم الأنفة وحميَّة الجاهلية على الفعل بالإثم والتكبر عن قبول الحق.. فأغرقوا في الإفساد وأمعنوا في العناد.. فيكفيهم يوم القيامة أن تكون لهم جهنم فراشاً ومهاداً.. وبئس هذا الفراش والمهاد.. فهؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر :

واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه ***** يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ***** ويروغ منك كما يروغ الثعلب
يلقاك يحلف أنه بك واثق ***** وإذا توارى عنك فهو العقرب

لبعض الناس قدرة عجيبة على تكييف ظاهرهم.. بما يخدع الناس عن حقيقة أمرهم.. لمآرب يبغونها.. وأغراض يأملونها.. وقد يكون ذلك بحلاوة المنطق.. وعذوبة اللفظ.. سواء أكان ذلك لقضاء حاجة يريدونها.. أو بإظهار الذلة والمسكنة.. أو لاستدرار العطف والرحمة.. أو للاستعلاء والترفع.. إبعاداً للشبهة.. وغير هؤلاء كثيرون.. لا يدل ظاهرهم على باطنهم..

ولا خير في ودِّ امرئ متلوِّن ***** إذا الريح مالت مال حين تميل
وما أكثر الإخوان حين تعدُّهم ***** ولكنهم في النائبات قليل

وهذه حقيقة مجربة .. وواقع مشاهد وملموس .. فكم أناس انخدعوا بهم.. وكم أناس وقعوا في شراكهم.. وكم من أناس أعجبوا بكلامهم المنمق المعسول ثم بعد ذلك اكتووا بنارهم.. وكم أناس عضوا على أناملهم جزعاَ وحسرة وندماً على ما أصابهم من تفريط بعدما اغتروا بالمظهر وانخدعوا بالأشكال الجميلة البراقة ولكن بعد فوات الأوان ..

وما الحسن ما تثني به العين وحدها ***** ولكنَّ ما تثني عليه قلوب

وكم أناس قد سلموا لهم الأمر وأمنوا جانبهم فاغتالتهم أيادي الغدر والخيانة.. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: << يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين.. يلبسون للناس جلود الضأن من اللين.. ألسنتهم أحلى من السكر.. وقلوبهم قلوب الذئاب.. يقول الله عز وجل أبي يغترون؟!! أم علي يجترئون؟!! فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيراناً>> (سنن الترمذي [2404] ج4 ص604).. وعن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :<< إن الله تعالى قال : لقد خلقت خلقاً ألسنتهم أحلى من العسل.. وقلوبهم أمر من الصبر.. فبي حلفت لأتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيراناً فبي يغترون؟!! أم على يجترئون؟!!>> (سنن الترمذي [2405] ج4 ص604)..

لا تجعل دليل المرء صورته ***** كم مخبر سمج عن منظر حسن