لا شك في أن الإنسان – بطبعه – تعتريه انفعالات شتى تختلف باختلاف المواقف الحياتية التي يتعرض لها ، فكل موقف خارجي يقابله انفعال داخلي يتناسب معه ، فهناك ما يثير الفرح ، وهناك ما يثير الحزن ، وهناك ما يبعث الرضا والارتياح ، وهناك ما يستنفر الغضب والغيظ . . . إلخ .
وإذا كانت الانفعالات الإيجابية – كالفرح والرضا والارتياح – لا تسفر عن آثار سيئة في أغلب الأحوال ، فإن الانفعالات السلبية - كالحزن والغضب والغيظ - غالباً ما تسفر عن آثار سيئة على المنفعِل وعلى من حوله ، إذا اندفع معها المنفعل إلى آخر المدى .
ويتجلى ذلك بوضوح في انفعال الغضب الشديد الذي يستولي على الإنسان بكليته باطناً وظاهراً : حيث تغلق معه كل القوى الواعية في الإنسان ، ويتولد عنه في القلب الحقد والحسد والبغض وإضمار السوء على اختلاف أنواعه ، وينعكس ذلك على ظاهر الإنسان : تغيراً شكلياً ، حيث احمرار الوجه والعينين وانتفاخ الودجين ، ورعدة الأطراف . . إلخ ، وتطاولاً قولياً قد يأخذ شكل الجريمة كالسب والقذف ، وتطاولاً فعلياً قد يأخذ شكل الجريمة أيضاً كالضرب والجرح والقتل ، وباختصار فإن الإنسان في ظل الغضب يخرج عن حالة اعتداله .
وتفادياً لسوء عاقبة هذا الانفعال الغضبي – الذي هو في غير الله(1)- وقف الإسلام له بالمرصاد .
* علاج الانفعال العصبي والغضبي في الإسلام :
أ – حث الإسلام أتباعه على عدم الاندفاع أو الانسياق وراء هذا الانفعال :
# فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – ( أن رجلاً قال للنبي – e– أوصني . قال : لا تغضب. فردد مراراً . قال : لا تغضب ) (2) .
# وفي رواية : عن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من أصحاب النبي – e– قال : ( قال رجل : يا رسول الله ، أوصني . قال : لا تغضب . قال الرجل : ففكرت حين قال النبي –e– ما قال ، فإذا الغضب يجمع الشر كله ) (3) .
ب- بين الإسلام عظم جزاء الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس :
# قال - سبحانه- : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) (4) .
# وقال - جل جلاله- : ( . . وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) (5) .
# وقال– e– : ( ليس الشـــديد بالصُّرَعة ، إنما الشـــديد الذي يملك نفســه عند الغضب ) (6) .
وفي هذا الحديث بيان لأفضلية من يملك نفسه عند الغضب على من يَصرع ولا يُصرع في ميادين المصارعة البدنية ، بناء على أن كظم الغيظ كبح لجماح النفس وجهاد لها ، وجهاد النفس أعظم – بلا شك – من جهاد العدو .
ج- بين الإسلام كيفية التخلص من الغضب الذي هو نزغة من نزغات الشيطان :
# قال – سبحانه – : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم . إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) (7) .
# وعن سليمان بن صرد قال ( استب رجلان عند النبي –e– ونحن عنده جلوس ، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه فقال النبي –e– : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عندما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول النبي –e– ؟ قال : إني لست بمجنون ) (
.
فضلاً عما ورد من حث الغاضب على الوضوء أو الغسل حتى تهدأ أو تطفأ نار غضبه ؛ لأن الغضب من الشيطان ، والشيطان خلق من نار ، والماء يطفيء النار :
# فعن عروة بن محمد بن عطية عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله –e– : ( إن الغضـــب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضــب أحدكم فليتوضأ ) (9) .
وكذلك ما ورد من حث الغاضب على تغيير وضعه أو حالته التي غضب عليها ، من قيام إلى قعود ، ومن قعود إلى اضطجاع ، أو ترك المكان كله ... إلخ ؛ صرعاً لنفسه وشيطانه وشيطان من أغضبه .
# فعن أبى ذر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله –e– : (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع) (10) .
وكذلك ما ورد من حث الغاضب على السكوت والتزام الصمت أثناء غضبه حتى لا يتلفظ بما يحاسب عليه بدافع الغضب :
# فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي –e– أنه قال : ( علموا ويسروا ولا تعسروا ، وإذا غضب أحدكم فليسكت ) (11) .
كل هذا حفاظاً على التوازن الانفعالي للمؤمن ، وتفادياً لما قد يجره اندفاعه وراء انفعاله من جرائم خطيرة تصيبه في نفسه والمجتمع من حوله .