صباح الخير ايها الحزن
لعبد الوهاب مطاوع
من كتاب
صديقى لا تأكل نفسك مقال بعنوان :
صباح الخير أيها الحزن
صحوت من نومي فوجدت نفسى حزينا بلا سبب سألت نفسى :
هل أغضبني أحد قبل أن أنام ؟
لا .. هل فقدت عزيزا فأحزننى فقده ، لا .. هل أغضبت صديقا فندمت على ذلك ؟ لا ..
هل طعننى صديق فى ظهري فآلمتنى خيانته ؟ لا
لماذا إذا هذا الحزن الشفيف الهادئ الذى يغلف أحاسيسى
فى هذا الوقت من الصباح ؟
ولم أجد جوابا مريحا فسلمت بأنها زيارة عابرة من هذا الرفيق القديم الذى
يطل علىّ من حين إلى آخر فيطيل زيارته أو يقصرها حسب الظروف ثم
ينصرف إلى حال سبيله .
و لقد علمتنى تجاربى أن أحسن استقباله و ألاطفه حتى يرحل عنى بسلام ..
و من وسائلى فى ذلك ألا أسأله لماذا جاء .. ولا متى سيرحل إذ ليس من
حسن الأدب أن تسأل ضيفا حتى ولو كرهته لماذا جاء يزورك ..
و إنما عليك أن ترحب به و أن تكرم وفادته و أن تتجاهل السؤال عن موعد
رحيله إلى أن يهم بالانصراف فتلح عليه بالرجاء بأن يبقى حتى موعد
الغداء .. فيعتذر .. وترجو فيعتذر ثم تضطر آسفا إلى قبول اعتذاره .
هكذا جلست بين يديه أحتسى القهوة و أفكر .. ثم استأذنته بعد قليل فى
سماع شئ من الموسيقى يناسب المقام .. فانسابت أنغام قطعة من
الموسيقى الشرقية التى تثير الشجن هى سماعى العريان من مقام البياتى ..
و أشعلت سيجارة و قدمت له مثلها ثم غرقت فى أفكارى .. إلى أن بدا عليه
أنه يهم بالقيام فألححت عليه فى الرجاء بأن يتفضل لقبول دعوتى للغداء
و ربما للعشاء أيضا ولكنه اعتذر بأنه مرتبط بموعد هام فودعته حتى باب
الشقة و اعتذرت له بأن المصعد مازال معطلا ووقفت على السلم أودعه ثم
خطر لى و قد أصبح خارج مسكنى أن أتجاوز حدود اللياقة قليلا معه
و أسأله عن سر زيارته المتكررة لى فى الفترة الأخيرة خاصة فى الصباح
فاستند إلى " الدرابزين "
و قال لى بكبرياء :
إننى لا أزور أحدا بغير دعوة .. فقلت : وهل دعوتك ؟
قال نعم ! . قلت : كيف و أنا لم أتصل بكل و لا أعرف لك عنوانا ؟
فقال دعوتنى فى كل مرة زرتك فيها بغير اتصال حين تتجمع داخلك سحب
الاكتئاب و تضيق ببعض ما تراه فلا تنفس عن نفسك بإعلان ضيقك و حين
تكتم مشاعرك لكيلا تغضب الآخرين و حين تمضى نهارك وليلك بين
الأوراق و المشاكل لا ترفع رأسك إلا لتتحدث فى عمل ..
ولا ترى من الشوارع إلا الطريق من بيتك إلى عملك و بالعكس ،
و من الدنيا إلا أصحاب المشاكل و المهمومين ،
و حين تلهث دائما و صدرك مشغول بأمر ينبغى أن يتم و أمور لم ينجز بعد
و غاية لم تتحقق و حين تكون فى حالة لو مستمرة لنفسك تحس معها أنك
كنت تستطيع أن تفعل كذا لكنك لم تفعل أو فعلت و لكن ليس بالمستوى
الذى تتمناه و حين تحس بأنك عاجز فى كثير من الأحوال و تتمنى لو كانت
لديك قدرات خارقة تحل بها المشاكل و تلبى بها كل الرغبات ،
و هكذا تتجمع السحب ببطء داخلك فأجد فى بيتى بطاقة موقعة منك بالحبر
السري تقول لى فيها " تفضل بزيارتى " فألبى نداءك رغم كثرة مشاغلى
وارتباطاتى !!
دهشت مما قال و قلت مدافعا عن نفسى :
لكنى لست كما تصورونى فأنا إنسان متفائل بطبعى و أدعو للتفاؤل و الكفاح
فى الحياة و أؤمن بأن حياة الإنسان من صنعه .. و أن الحياة إرادة
ولا أعلق أبدا فشلى على الحظ كما يفضل البعض ، لكنى لا أنكر دوره فى
الحياة ، فانا أومن بالحظ و بالقدر و بالنصيب و أومن أيضا أنها ليست كل
شئ و أن الجانب الاكبر من نجاح الإنسان أو فشله يتحمله الإنسان وحده ..
لهذا فإنى أحس دائما بأنه لا حد لقدرة الإنسان لو صح عزمه ، و أومن بان
على الإنسان أن يؤدى واجبه ويرضى ضميره ثم يترك الأمر بعد ذلك لله عز
شأنه يصرفه كيف يشاء ، لأن المهم هو ألا يقصر الإنسان فى حق نفسه أما
المستقبل فبيد الله وحده كما أنى أيضا من المؤمنين بأن الإنسان يستطيع أن
يبدأ من جديد فى أية مرحلة من العمر ..
و أن يصنع من الفشل بداية جديدة للنجاح و أن يطور من نفسه دائما
و أروى لمن يسألنى من الشباب أن محمد على مؤسس مصر الحديثة
بدأ يتعلم العربية و هو فى الخامسة و الأربعين من عمره و أن النابغة
الذبيانى قال الشعر لأول مرة فى حياته وهو فوق الستين و أن الفيلسوف
الألماني شوبنهاور فاجأته الشهرة وهو يقترب من السبعين و أن الفيلسوف
أفلاطون الذى ولد فى أسيوط و عاش فى روما لم يبدأ الكتابة إلا فى سن
الثامنة و الأربعين بعد أن أكمل دراسته و اكتملت له فلسفته التى عرفت بعد
ذلك بالأفلاطونية الحديثة
و أقول دائما لزوارى من الشباب و لنفسى قبلهم إن الدنيا تأخذ و تعطى ،
و أن العقبات لا تحول دون النجاح و كثيرا ما تكون الدافع القوى له
و أن المهم دائما أن نشترك فى مباراة الحياة بكل طاقتنا لكى نكون من
الفائزين لانك لن تفوز بأى مباراة إلا إذا كنت من اللاعبين
أما الانسحاب قبل أن يبدا اللعب فلا يحقق سوى الحسرة ،
أقول ذلك و أؤمن به و أنظر إلى الحياة دائما بقلب يخفق بالأمل ..
فلماذا تفرض على صداقتك و تزورنى بلا دعوة ؟
فسحب يده من يدى و قال لى مؤكدا للمرة الأخيرة :
لقد دعوتنى فلبيت الدعوة و ليست هكذا أصول الضيافة !
ثم تهيأ للانصراف غاضبا فأثار ضيقى أنه مازال مصرا على أنى دعوته
و عدت مسرعا إلى الشقة بأبحث عن " قلة " أكسرها وراءه فلم أجد
فأخرجت زجاجة مياه مثلجة و عدت سريعا إلى السلم لأرمي بها عليه
و رفعتها فسرت برودتها فى يدى و ذكرتنى بعطشى و قلت لنفس فجأة "
خسارة فيه " ثم شربت حتى ارتويت و عدت مبتهجا إلى شقتى !
أتمنى اعرف ارائكم بالمووضووع!!